كثير من الأهل يعدّون كذب الأطفال شرّاً لا بد منه.. وتشتكي الأمهات من هذه الخصلة: «ابني معجون بماء الكذب» و«ابني عمره ما يقول الحقيقة»، و«دائماً يختلق القصص ثم أكتشف أنها مجرد خيال»، و«ابنتي ابتعد عنها أصدقاؤها بسبب كثرة الكذب».. فما أسباب الكذب؟ ومتى يستوجب الكذب العقاب؟ وهل هناك علاقة بين سن الطفل ونوع كذبه؟!
تقول «هدى» وهي أم لثلاثة أطفال: من الطبيعي أن يكذب الأطفال، فمثلاً حينما أجد شيئاً مكسوراً في البيت، وأسأل أولادي من الذي كسره؟ يمتنعون جميعاً عن الإجابة، أو يقولون: لا نعلم. فأعاقب الجميع حتى يقول أحدهم الصدق، وفي بعض الأحيان يدّعي ابني الكبير أن أخاه الأصغر هو الذي فعل كذا ليفلت من العقاب، ثم أكتشف أن الكبير هو الذي فعلها.
وتقول أم أخرى لطفل في عمر الحادية عشرة: الطفل يولد صفحة بيضاء نكتب فيها ما نريد، وأظن أنه يكتسب عادة الكذب من المحيطين به وخصوصاً الوالدين، فزوجي حينما يتصل به أحد لا يرغب في الحديث معه يقول لابننا: أخبره أنني غير موجود، والنتيجة أنه ذات يوم ضرب أحد زملائه في المدرسة وظن أنه لم يره أحد، وحينما اشتكاه زميله إلى المدرّسة وسألته أصرّ على الإنكار وعدم الاعتذار لزميله، وتكرّر ذلك حتى استدعتني المدرّسة لمناقشة الأمر معي، وحينما وبّخه والده على كذبه قال له: أنت تفعل ذلك أيضاً، فما المنتظر من جيل يفتقد القدوة؟
وتقول وداد وهي أم لطفلين: بعد إنجاب الطفل الثاني قلّ اهتمامي بطفلي الكبير نتيجة لاحتياجات المولود الجديد، ما أثّر سلباً في سلوكه، فوجدته ذات يوم يعود من المدرسة وهو يمسك بيده لعبة اشتراها من مصروفه وادّعى أن مدرسة الرسم أعطته إياها مكافأة له على تميّزه، ففتحت دفتر الرسم، ولم أجد أي رسوم، ثم لاحظت أنه بدأ يحكي قصصاً كثيرة من وحي الخيال، حتى يجذب انتباهي أنا ووالده، ثم تفاقم الأمر وبدأ يحكي أموراً تحدث في البيت لمدرّسيه وزملائه في المدرسة، لكن بشكل مبالغ فيه كثيراً، فمثلاً إذا حدثت مناقشة حادّة بيني وبين والده يحكي أن «بابا ضرب ماما» إلى آخر ذلك من قصص لا يكون هدفه منها الكذب في حد ذاته، بل رغبة في الظهور وجذب انتباه وحب الآخرين الذي يعتقد أنه فقده بعد المولود الجديد، لكن حينما انتبهنا إلى المشكلة قلّلنا من اهتمامنا بالمولود الجديد أمامه، وحاولنا إعطاءه كل الحب والاهتمام حتى بدأت المشكلة تتلاشى شيئاً فشيئاً.
ويروي هاني قصة ابن أخته في الثانية عشرة من العمر، فيقول: طلب من والده أن يشتري له دراجة، فوعده بأن يفعل في الشهر التالي، لكن الأب لم يفِ بوعده، ونسي الأمر، وبعد فترة طلب منه أبوه أن يعده بالحصول على درجات عالية في الامتحانات، وفعلاً حصل عليها، لكنه أخبره بأنه رسب في الامتحان، فقال له والده: ألم تعدني بأن تكون متفوقاً؟! فرد عليه: وأنت وعدتني بالدراجة، ولم تف بوعدك، لذا لم أف أنا بوعدي. وحين بدأ والده بتوبيخه، أخبره أخيراً بأنه نجح، بل حصل على درجات عالية، لكنه أراد أن يعطيه درساً بهذه القصة.
إذاً كيف نعالج هذه المشكلة:
- كوني هادئة في مواجهة طفلك، فهذا يجعله يقول الصدق، لأنه لو شعر بالخوف فسوف يحاول الدفاع عن نفسه بعدم قول الحقيقة.
- حاولي أن تكوني إيجابية: لا تتسرّعي بالقول: أنت كاذب في وجهه بغضب، لأن هذا يجرحه ويهين كرامته ويزيد من المشكلة، وبدلاً من ذلك قولي له: «أنا أعرف أن هذا غير صحيح، وأمامك فرصة لتصحيح الأمر».
- حاولي أن تعرفي أسباب ودوافع الكذب.. مثال: إذا كان يدّعي أنه يكرّم من المدرسة بسبب تفوقه في مادة أنت تعلمين أنه ضعيف فيها، فهذا الكذب ينم عن رغبة بداخله في أن يكون متفوقاً، فبدلاً من توبيخه حاولي أن تقولي له: هذه المادة صعبة، وسوف نبذل مزيداً من الجهد كي نكون أفضل.
- استخدمي أسلوب تهذيب مناسب.
- افتخري به وكافئيه إذا قال الصدق حتى يحب أن يفعل ذلك دائماً.
- يجب أن يرى في الوالدين قدوة في الصدق مع الآخرين ومعه.