خرج من غرفة الطبيب دون ان يلتفت اليه أحد,,سوى عندما همس بصوت ضعيف،: ( السلام عليكم )،اختار كرسياً قريباً القى بجسده المنهك عليه، استطاع حينها ان يلفت انظار جميع من كانوا في صالة الانتظار. شاب في اول العشرين، نحيف البنية، لونت البساطة ملامحه, جلس وقد لفت قدماه بشاش ابيض اختلط بلون أحمر ، فقد غزته الدماء حتى تساقطت محدثة آثاراً واضحة على الارض.
تبعته الممرضة مذكرةً أياه برفع قدميه كما طلب منه الطبيب، فأجابها على استحياء : ( اه,, طيب )
وكأنه لن يفعل ! فسارعته مقربةً له طاولة صغيرة من منتصف الصالة، التفت حوله بعيون حزينة محرجة، رفع قدميه واخفض رأسه.
دقائق قليلة قبل ان يدخل رجل خمسيني الصالة متوجهاً الى غرفة الطبيب، حتى ناداه الشاب ( هيني هون)! اقترب الرجل _الذي اتضح انه والده_ منه: ( سلامات ،،بس كيف بترفع اجريك هيك بوجه الناس؟) متجاهلاً الدماء التي لوثت ارض الغرفة !.
وبقليل من التردد شرع الشاب في اعادة قدميه الى الارض هامساً: - ( والله انا ما بدي ارفعهم بس الدكتور حكالي ..حتى هي الممرضة اللي جابتلي ياها )..
( نزلهم يابا عيب ,,نزلهم ! )-
نظر الاب الى من حوله وقال : ( معلش سامحونا يا جماعة الدكتور قاله يرفعهم امانة تسامحونا)
تفاجئ الجميع وبادروا بتمني السلامة للشاب ، شاكرين لطفهم ، متمنين له السلامة ، نافين ان يكون الموضوع ايذاءاً لهم او قلة احترام ، مستغربين هذه التربية وهذا النموذج الطيب في التعامل .
لم يكن متاحاً لي ان اتكلم _ حتى لو كان ذلك ممكناً_ فلن أجد الكلمات المناسبة ! فبقيت افكر في من يرفع قدمه في وجه ضيفه ومضيفه سواء كانوا كبار في السن ام صغار، أغنياء أم فقراء ! دون اكتراث لأي قيمة حضارية. ومتسائله عمن يرفعون اقدامهم في وجه ابائهم وامهاتهم، دون حياء المهم راحتهم واسترخائهم !وتذكرت، ايام التربية المثالية القديمة التي سمعنا عنها ولم نرها بأعيننا قط! ربما آلَمَ هذا الشاب اليوم " كثرة الادب " التي يتمتع بها ووالده، بينما لم تزعج الكثير ممن حولنا من " قلة الادب " التي يتمتعون بها!